الغنائم والفيء
الغنائم
والفيء
الغنائم والفيء من موارد بيت مال المسلمين:
الغنائم لغة الفائدة
الغنائم اصطلاحا المال الذى يصيبه
المسلمون من أعدائهم بوسطة القتال و العنوة
ويقصد بالغنائم: كل ما يحصل عليه الجيش
الإسلامي في ميدان الحرب، بعد انتهاء المعارك، مِن أموال ودواب وسلاح وملابس، وأسرى
من المحاربين، والسبي من النساء والأطفال، ويعرّف الفقهاء الغنائم: بأنها ما غلب عليه
المسلمون من أموال أهل الحرب حتى يأخذوه عنوة، يعني: بالسلاح والقتال.
وتعتبر الغنائم التي حازها المسلمون
من أعدائهم، موردًا حسنًا لبيت المال وللمقاتلين، ومن المعلوم أن القرآن نص على توزيع
الغنائم بين الدولة والمقاتلين، ولم يترك ذلك لاجتهاد الدولة، فجعل للجيش الذي غنمها
أربعة أخماسها، واحتفظ بالخمس يصرفه الرسول أو خليفته في مصالح الدين والدولة، ومرافق
المسلمين العامة.
الفيء لغة الرجوع
الفيء اصطلاحا المال الذى يصيبه
المسلمون من أعدائهم بالصلح, بغير قتال
أما الفيء: فهو كل مال أخذه المسلمون
من أهل الحرب من غير قتال.
وفي ذلك يقول الله تعالى: { وَاعْلَمُواْ
أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [الأنفال: 41] والمذكور في هذه الآية هو خمس
الدولة، أما الأربعة الأخماس الأخرى فكانت توزع على المقاتلين، بحيث يكون للمقاتل الراجل،
يعني: الذي يقاتل على رجليه: سهم واحد، وللفارس، يعني: الذي يقاتل على فرس: ثلاثة أسهم،
سهم له، وسهمان لفرسه.
وتمدنا المصادر ببعض المعلومات عن
الغنائم، التي حصل عليها المسلمون في حروب الردة، زمن أبي بكر الصديق ، وكان معظمها
من الخيل والإبل والماشية والسلاح والسبي، والسبي عادة يكون من النساء والأولاد، وكذلك
من الذهب والفضة، وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة في حرب اليمامة، سنة اثنتي عشرة من
الهجرة، وهي في ديار بني حنيفة بمنطقة البحرين، وكانت اليمامة مركزًا اقتصاديًّا مهمًّا
زراعيًّا وتجاريًّا، وفيها كثافة سكانية عالية.
وبلغت الأموال التي غنمها المسلمون
من المرتدين في عمان: أربعة آلاف رأس من الإبل، كان نصيب الدولة منها ثمانمائة رأس،
ويبلغ ثمنها ما يقارب مائتي ألف درهم، وبالإضافة إلى الإبل حصل المسلمون على ثلاثة
آلاف وخمسمائة من الأسرى والنساء والذراري، فكان نصيب الدولة منها سبعمائة، وهذا العدد
من الأسرى والسبي يقدر بمليون وأربعمائة ألف درهم.
وحصل المسلمون من المرتدين بأرض مُهَرَة
على ألفي ناقة نجيبة، تبلغ قيمتها المالية أكثر من مائتي ألف درهم.
وفي عهد عمر زادت الغنائم زيادة كبيرة؛
لاتساع المناطق التي فتحها المسلمون، في بلاد الشام والعراق وإيران ومصر والشمال الإفريقي،
وهذه البلاد كانت تتمتع بازدهار اقتصادي كبير، وقد فتحت مدن عظيمة كالمدائن وجلولاء
وهمذان والرَّي واصْطَخْر، وغيرها من مدن العراق وإيران، ومثل حمص وفلسطين وأنطاكية،
وغيرها في بلاد الشام، وحاز المسلمون منها على أموال عظيمة.
ومن الأموال التي حازها المسلمون في
هذه الفتوحات: بساط كسرى، الذي كان يفرش في قصره، وتقدر مساحته بثلاثة آلاف وستمائة
ذراع مربعة، وكان مصنوعًا من الذهب ومحلى بالفصوص، وفيه رسوم ثمار من الجواهر، وورقها
من الحرير، وقد بيعت قطعة صغيرة من هذا البساط بعشرين ألف درهم.
وبلغ الخمس الذي حصلت عليه الدولة
من غنائم معركة جلولاء ونهاوند فقط: ستة ملايين درهم، وكانت أعظم الغنائم هي غنائم
أرض السواد بالعراق، التي وقفها عمر على المسلمين، وجعلها أرضًا خراجية، وكذلك أراضي
الصوافي، التي قُتل عنها أصحابها، أو فروا منها، وأملاك كسرى وأسرته وحاشيته، حيث جُعلت
غلة هذه الأراضي للدولة صَوَافِي، ولصالح بيت المال، وبلغت قيمتها سبعة ملايين درهم.
ولا شك أن نصيب المقاتلين والدولة
من تلك الغنائم كان عظيم القدر، أغنى المسلمين أفرادًا ودولة، وارتفعت بالمستوى المعيشي
للناس، وساعدت كثيرًا على الازدهار الزراعي والتجاري، وظهرت آثارها أكثر في عهد الخليفة
عثمان حيث توسعت الفتوحات في النصف الأول من عهده، في بلاد خراسان شرقًا وفي الشمال
الأفريقي غربًا
الفيء
من مصاديق الأنفال التيوردذكرهافيالقرآن الكريم، وأكدّتها السنّة قولاً وعملاً، فغدامن
ثوابت الشريعة بأنه من الأموال التيخصّ اللّه تعالى بها نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأهل بيته الأطهار عليهمالسلام ، ونظراً لذلك أفردناه ببحث مستقل ، وكما يلي :
أولاً : في رحاب الآية الدالّة عليه
:
الآية
الدالّة على الفيء قوله تعالى من سورة الحشر : ( وَمَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلكِنَّ اللّه يُسَلِّطُ
رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللّه عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللّه
عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ
الاْءَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللّه إِنَّ اللّه شَدِيدُ الْعِقَابِ ).
الآية
الأولى بينت أن الفيء للّه وللرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فقط ، أما الثانية فقسمته
في مواضع اُخرى بالاضافة للمسمّين في الآية الأولى ، ومنه قد يتصور أن الآية الثانية
تريد أن توضح حكم فيءٍ غير الفيء الذي ذكرته الآية الأولى ، وهذا وإن تبنّاه بعض علماء
العامّة ، إلاّ أنه بعيد عن ظاهر الآية ، والصحيح هو أنّها مبيّنة
للآية
الأولى وكاشفة عن الموارد التي يصرف فيها الفيء ، وهذا ما عليه علماء أهل البيت عليهمالسلاموالكثير
من علماء العامّة.
وفي
هذا يقول الزمخشري : لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى ، فهي منها غير
أجنبيّة عنها ، بيّن لرسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يصنع بما أفاء اللّه عليه
، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة ، ونقل
عنه هذا الكلام الرازي في تفسيره.
ونقل القرطبي قول جماعة منهم الشافعي
: أن معنى الآيتين واحد.
ثانياً : معنى الفيء لغةً وشرعاً
قال المبرّد : يقال : فاء يفيء : إذا
رجع ، وأفاءه اللّه : إذا ردّه.
وقال الأزهري : الفيء : ما ردّه اللّه
على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال ، إما بأن يجلوا عن أوطانهم ويخلّوها
للمسلمين ، أو يصالحوا على جزية يؤدّونها عن رؤوسهم ، أو مال غير الجزية يفتدون به
من سفك دمائهم.
والآية
صريحة في بيان المراد من الفيء ، وهو كل ما تمّ الحصول عليه من الكفار بدون جهد وعناء
، بل سلّط اللّه رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إمّا بأن يجلوا الكفار عن ديارهم ،
أو يصالحوا عليها ، أو يعطوا مالاً مقابل دمائهم ، وهذا المال الحاصل بهذه الكيفية
جعله اللّه تعالى خالصاً لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، يعمل فيه بما يراه مناسباً
، في وجوهٍ حصرتها الآية الثانية في ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل.
وفي
ذلك يقول سيد قطب : حكم هذا الفيء أنه كلّه للّه والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين
وابن السبيل ، والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هوالذي يتصرف فيه كلّه في هذه الوجوه.
وذوو القربى المذكورون في الآيتين هم قرابة رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ويقول
الطبرسي أيضاً : ذكر سبحانه حكم الفيء فقال : « مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى » أي من أموال كفار أهل القرى « فللّه » يأمركم فيه بما أحب
« وللرسول » بتمليك اللّه إياه « ولذي القربى » يعني أهل بيت رسول اللّه ، وقرابته
، وهم بنو هاشم « واليتامى والمساكين وابن السبيل » منهم ، لأن التقدير ولذي قرباه
، ويتامى أهل بيته ، ومساكينهم ، وابن السبيل منهم.
وروى
المنهال بن عمرو ، عن علي بن الحسين عليهالسلام ، قال : قلت قوله « ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل »؟ قال : « هم قربانا ، ومساكيننا ، وأبناء سبيلنا ».
ثالثاً : بين الغنيمة والفيء
ممّا
تقدم اتّضح أنّ حكم الفيء غير حكم الغنيمة ، فالغنيمة هي ما يحصل عليه المسلمون من
المشركين والكفار المحاربين بالقتال فيأخذونه عنوةً وبحدّ السيف ، وهي تُقسّم إلى خمسة
أسهم : أربعة للمحاربين ، وواحد يقسم على ستة أسهم ، أما الفيء فإنّه كلّه لرسول اللّه
صلىاللهعليهوآلهوسلم خالصاً دون المسلمين يصرفه في موارده كيف يشاء ، لأن الفيء
يسلّط اللّه تعالى رسوله عليه دون أن يكون للمسلمين يدٌ في تحصيله.
وفي
ذلك يقول الشيخ الطوسي رحمه اللّه تعالى : والذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة
، فالغنيمة : كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله الى دار الإسلام ،
وما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام ويصرف انتفاعه
إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء : كل ما أُخذ من الكفار بغير قتال ... وكان
ذلك للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة ، يضعه في المذكورين في هذه الآية ، وهو لمن
قام مقامه من الأئمة الراشدين.
وذكر
الرازي في معنى الآية أن الصحابة طلبوا من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقسم
الفيء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم ، فذكر اللّه الفرق بين الأمرين ، وهو أن الغنيمة
ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها ، وأوجفتم عليها الخيل والركاب ، بخلاف الفيء فإنكم ما تحمّلتم
في تحصيله تعباً ، فكان الأمر فيه مفوضاً إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يضعه
حيث يشاء.
ولقد
ورد : أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول اللّه ، ألا تخمّس ما أصبت من بني النضير كما
خمّست ما أصبت من بدر؟
فقال
رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا أجعل شيئاً جعله اللّه عزّوجلّ لي دون المؤمنين
بقوله تعالى :( مَا أَفَاءَ اللّه عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ..... ) الآية
، كهيئة ما وقع فيه السّهمان للمسلمين ».
والفيء
يكون للإمام الحق بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يعمل به كما كان يعمل به
رسول اللّهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن هذا الحقّ غصب من أهله بعد رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم
وجرى عليه ما جرى على غيره من الأموال التي خصّها اللّه تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم
ولأهل بيته من بعده.
وقد
تعدّى ذلك إلى ما وهبه رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لأهل بيته من أموال الفيء
، ومن مصاديقه فدك ، وهي قرية بناحية الحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، وأرضها كانت
لليهود ، فأفاءها اللّه تعالى على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلحاً سنة ٧ هـ دون
أن يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
وقد
ورد أن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منح فدك إلى ابنته الزهراء عليهاالسلام
في حياته حينما نزلت الآية « وآت ذا القربى حقّه » على
ما رواه المحدّثون والمفسرون عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام وابن عباس ، وأبي سعيد
الخدري.
وحينما
توفّي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وضعت سلطة الخلافة يدها على نحلة الزهراء
عليهاالسلام في فدك ، وأخرجت وكيلها منها ، وجعلتها من مصادر بيت المال وموارد ثروة
الدولة كما زعمت.
Comments
Post a Comment